
في مشهد سياسي بات مألوفًا في ولاية النمسا السفلى، اندلع مجددًا خلاف بين شريكي الحكم – الحزب الشعبي (ÖVP) وحزب الحرية (FPÖ) – وهذه المرة بسبب موضوع غير متوقع: عيد الأم. ففي حين أن الخلافات السابقة غالبًا ما كانت تتفجر في نهاية العام حول حفلات “نيكولو” في رياض الأطفال، اختار حزب الحرية هذه المرة فصل الربيع وساحة القيم الثقافية لافتعال مواجهة جديدة.
السبب المباشر كان تقارير عن أن أطفالًا في روضتين، واحدة في تولن والأخرى في بادن، لم يصنعوا هدايا لأمهاتهم بمناسبة عيد الأم، الأمر الذي فسّره حزب الحرية كـ”خضوع ثقافي مرفوض”. نائب الحاكمة، أودو لاندباور (FPÖ)، تحدث عن “انهيار ثقافي لا يمكن التساهل معه”، بينما ذهب زميله أندرياس بورس إلى أبعد من ذلك بوصف المربّين بأنهم “بوهيميون يساريون ومتعددو الثقافات يجب أن يخضعوا لقيمنا وقوانيننا”.
الحزب الشعبي لم يصمت هذه المرة، إذ اعتبر أن حزب الحرية “تجاوز الخط الأحمر”، متهمًا إياه بتشويه سمعة المعلمين دون أي أساس. وأكد ماتهياس تساونر، المدير الإقليمي لحزب الشعب، أنه لا يوجد “حظر على عيد الأم”، مشيرًا إلى أن هذه الحملة تُغفل عن قصد خطط الحكومة لمكافحة الإسلام الراديكالي وتحديث المناهج في رياض الأطفال.
ورغم التصعيد اللفظي، فإن مؤشرات القطيعة الحقيقية شبه معدومة. فالتحالف الحاكم بين الحزبين لا يزال في منتصف فترته التشريعية، وإجراء انتخابات مبكرة غير مرغوب فيه خصوصًا بعد عام انتخابي كثيف. كما أن حزب الشعب، بقيادة يوهانا ميكل-لايتنر، يحتاج بشدة إلى دعم حزب الحرية من أجل تنفيذ مشاريع كبرى وضعتها مؤخرًا تحت عنوان “مهمة النمسا السفلى”، وتشمل توسيع رعاية الأطفال، تسريع التحول في قطاع الطاقة، وتجديد النظام الصحي – بالإضافة إلى الطموح المثير للجدل بجلب جائزة نوبل إلى الولاية.
وفي ظل هذا التوازن الهش بين الغضب التكتيكي والاعتمادية الاستراتيجية، يبدو أن عبارة “تجاوز الخط الأحمر” ليست سوى أداة إعلامية تُستخدم ثم تُنسى سريعًا، لتعود الوجوه ذاتها إلى التقاط الصور معًا في مؤتمرات صحفية قادمة، وكأن شيئًا لم يكن.
فيينا، النمسا بالعربي.