
كشفت وثائق داخلية من وزارة الدفاع النمساوية عن انتقادات صريحة من هيئة المراجعة الداخلية التابعة للجيش لصفقة شراء طائرات التدريب الجديدة من طراز M-346 FA التي تصنعها شركة “ليوناردو” الإيطالية، والتي يُقدر حجمها بمليارات اليوروهات. ووفقًا لتلك الوثائق، فإن معايير المناقصة صيغت بطريقة “أدت دون ضرورة إلى وضع احتكاري” لصالح هذا النموذج الإيطالي، ما يُضعف مبدأ المنافسة ويطرح علامات استفهام حول التوجيه المسبق للصفقة.
تقرير المراجعة أشار إلى أن القِصَر في المنافسة جاء نتيجة “القيود الإشكالية” التي فُرضت على مقدمي العروض، تحديدًا من خارج أوروبا، ما استبعد تلقائيًا شركات أمريكية مثل بوينغ. كما تم التشكيك في بعض الادعاءات الصادرة عن قسم الطيران العسكري، خاصة تلك المتعلقة بتكاليف التشغيل العالية لنماذج أخرى، مثل الطائرة الكورية الجنوبية KAI 50. في المقابل، تعذر عقد اجتماع مباشر بين المفتشين والجهة العسكرية المعنية بسبب “الظروف الزمنية”.
ورغم أن شراء الطائرات سيتم عبر اتفاق “حكومة إلى حكومة” مع الجانب الإيطالي – وهي آلية يُفترض أنها تحد من مخاطر الفساد – فإن التساؤلات لا تزال قائمة حول السبب الحقيقي في استبعاد الخيارات الأخرى، لا سيما في ظل أنظمة تسليح وتدريب متوفرة لدى دول عدة.

رئيس وحدة المراجعة، الجنرال هانز هامبرغر، أوضح أن مهمتهم تتمثل في طرح الأسئلة النقدية، وأن الوثائق لا تشير إلى مخالفات فعلية بل تشتمل على توصيات وملاحظات تحليلية. ورغم الانتقادات، شدد الجيش على أن جميع الإجراءات القانونية والتقنية اتبعت، وأن نحو 500 معيار فني دقيق تم تطويره قبل إرسال طلبات المعلومات إلى الشركات المعنية، لتُستنتج بعدها مطابقة “ليوناردو” وحدها لهذه المتطلبات.
المعارضة البرلمانية، لا سيما النائب دافيد شتويغمولر من حزب الخضر، شككت في نزاهة المسار الذي سلكته وزارة الدفاع، وطالبت بإجابات واضحة حول دور المستشار النمساوي كارل نهامر ولقائه برئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، مشيرة إلى أن الأسئلة لا تُطرح فقط في فيينا، بل وصلت إلى البرلمان الإيطالي. وأضاف شتويغمولر: “من غير المفهوم لماذا وقع الاختيار بالتحديد على ليوناردو، والمستندات الداخلية تشير بوضوح إلى أن المناقصة كانت غير نظامية وشابها الغموض”.
ورغم الجدل، يتفق الخبراء على أن الجيش النمساوي بحاجة فعلية إلى طائرات تدريب جديدة، خاصة بعد إخراج طائرات Saab 105 OE من الخدمة عام 2020، ما أجبر الوزارة على إرسال الطيارين المتدربين إلى الخارج بتكاليف باهظة. كما يمكن استخدام هذه الطائرات خفيفة السرعة في مراقبة الأجواء الوطنية، لتقليل الاعتماد المكلف على مقاتلات Eurofighter، إلى جانب إمكانية استخدامها لدعم القوات البرية في حالات الطوارئ. لكن الأسئلة حول الشفافية والجدوى والقرار السياسي تبقى مفتوحة، في انتظار إجابات أو مساءلات محتملة.