الهجرة واللجوء

عصابة إجرامية ترهب المهاجرين على الحدود البوسنية وتعتدي على طفلة أمام أسرتها

تقارير تكشف ممارسات عنف وخطف وابتزاز في معسكر ليبا والمناطق الحدودية مع كرواتيا وسط انتقادات لضعف الرقابة وتراجع اهتمام المنظمات الدولية

في معسكر ليبا شمال البوسنة يقف بادم، المهاجر القادم من نيبال، وهو يحاول استيعاب عام كامل قضاه في انتظار فرصة للعبور نحو كرواتيا ودخول فضاء الاتحاد الأوروبي. لكنه مثل آلاف غيره من المهاجرين وجد نفسه عالقًا في منطقة تتحول شيئًا فشيئًا إلى مسرح لعصابات منظمة تستغل أوضاعهم الهشة. بادم يروي أنه احتُجز أيامًا من دون طعام على يد مجموعة تطلق على نفسها اسم BWK، تعمدت تهديده بالسلاح مطالبة بفدية، رغم أنه لم يكن يملك شيئًا. هذه المجموعة، التي تشير تقارير صحفية إلى أن قادتها من أفغانستان، تفرض سيطرتها على طرق التهريب منذ 2023، وتتصرف بأسلوب مافيوي يشمل السرقة والابتزاز والاعتداءات الجسدية والجنسية.

القصص التي تتناقلها ألسنة المهاجرين في معسكر ليبا وفي مدينة بيهاتش المجاورة متشابهة إلى حد كبير. فالمهاجرون الذين يجازفون بعبور الغابات الكثيفة والمناطق النائية بين البوسنة وكرواتيا يواجهون خطر الوقوع ضحية لهذه العصابة. أسلوبهم يتكرر: خطف سريع، احتجاز في أماكن معزولة، ثم تهديد بإعدام الضحايا ما لم تُحوّل عائلاتهم في الوطن أموالًا كفدية. وفي حال دفع بعضهم، يُفرج عن الآخرين. لكن الأخطر أن العصابة تجاوزت الابتزاز المالي لتستخدم العنف الجنسي سلاحًا، حيث أكد شرطي في بيهاتش أن أحد أفرادها اغتصب طفلة في الحادية عشرة من عمرها أمام أسرتها داخل الغابة، في مشهد هزّ الرأي العام المحلي وأعاد إلى الأذهان صور الحروب لا أوضاع المهاجرين فقط.

التقارير الصادرة عن منصة Balkan Insight، التي أجرت تحقيقًا موسعًا على مدى أشهر، تشير إلى أن عصابة BWK باتت تتحكم في مسارات التهريب بشكل شبه كامل، وأنها قادرة على مضاهاة نفوذ أجهزة رسمية، مستفيدة من ضعف الدولة البوسنية ومن هشاشة التعاون مع السلطات الكرواتية. وفي الوقت ذاته، تراجعت المنظمات غير الحكومية التي كانت توثق الانتهاكات على الحدود منذ 2021، بعدما كان الاهتمام منصبًا على عنف الشرطة الكرواتية وما عُرف بعمليات “الإرجاع القسري” غير القانونية. لكن بانسحاب هذه المنظمات وتراجع الضغط الدولي، وجد المجرمون فراغًا سهّل انتشارهم.

الأوضاع في معسكر ليبا نفسه لا تقل سوءًا. فالمخيم المؤقت الذي أُنشئ لاستيعاب آلاف المهاجرين تحوّل إلى مكان يطغى عليه الاكتظاظ والفوضى، حيث تسجَّل اعتداءات متكررة بين المقيمين. قبل أشهر قُتل رجل من باكستان داخل المخيم، وهو ما يعكس هشاشة الأمن داخله. في الخارج أيضًا، تتحدث مجموعات من المهاجرين المصريين عن تعرضهم للضرب من قبل عناصر شرطة كرواتية، وذكروا أن هواتفهم لم تُصادر فقط بل دُمّرت عمدًا، في محاولة لمنعهم من التواصل أو توثيق ما يحدث.

السلطات البوسنية من جهتها تعترف بصعوبة مواجهة هذه العصابة. فبحسب شهادات محلية، يعيش عناصر BWK داخل الغابات بعيدًا عن أعين الشرطة، ويتنقلون بسهولة مستفيدين من معرفتهم الدقيقة بالمنطقة ومساراتها. ورغم القبض على بعضهم، فإن الغالبية لا تزال طليقة، فيما يستمر العثور على جثث لمهاجرين في مناطق جبلية أو غابات معزولة، دون أن يتمكن أحد من تحديد المسؤولية الكاملة.

الوضع الراهن يثير قلقًا واسعًا بين الأهالي والسكان المحليين في بيهاتش والمناطق المحيطة، إذ يشعرون أن سلطات القانون فقدت السيطرة على جزء من الحدود. الشرطة المحلية تصف ما يجري بأنه “مافيا كبيرة”، في حين يواصل المهاجرون محاولة العبور رغم كل المخاطر، مدفوعين بالأمل في حياة أفضل داخل الاتحاد الأوروبي.

فيينا، النمسا بالعربي.