أخبار النمساأخبار تقنية

من حلم سياسي إلى طموح علمي رصين: هل تجلب ولاية النمسا السفلى جائزة نوبل؟

تصريح يوهانا ميكل-لايتنر قوبل بالسخرية في البداية، لكن معهد Ista في كلوستربورغ يثبت أنه رهان علمي جاد ذو طموحات دولية

عندما صرّحت حاكمة ولاية النمسا السفلى، يوهانا ميكل-لايتنر، بأنها تطمح إلى رؤية جائزة نوبل تُمنح لأحد الباحثين من ولايتها، بدا التصريح للكث يرين في المشهد السياسي والإعلامي أشبه بالحديث الإنشائي. منتقدون تحدثوا عن “سياسة الأبراج الهوائية”، بل وتهكم بعضهم بأنها تطمح إلى “نوبل للدوارات المرورية”، في إشارة ساخرة إلى مشاريع البنية التحتية الرمزية في الولاية.

لكن خلف هذا الطموح السياسي تكمن نواة واقعية ذات أسس علمية صلبة، تتمثل في معهد العلوم والتكنولوجيا في النمسا (Ista) الكائن في كلوستربورغ، والذي يُعد اليوم أحد أبرز مراكز البحث في أوروبا. هذا المعهد، الذي تأسس عام 2009 على أنقاض مشفى للأمراض العصبية، نشأ على فكرة أطلقها الفيزيائي والحائز لاحقًا على نوبل أنتون زايلينغر، عندما دعا إلى تأسيس مؤسسة بحثية نمساوية.

رغم موقعه غير المركزي، إلا أن المعهد اجتذب علماء من 78 جنسية، ويعمل فيه اليوم نحو 1300 شخص، بينهم 90 أستاذًا يقودون مجموعات بحثية مستقلة. التركيز في Ista ينصب على علوم الطبيعة، الرياضيات، والمعلوماتية، مع غياب التخصصات الطبية أو الإنسانية، ومع ذلك، لا تُعيَّن الكوادر حسب الأقسام الجامعية التقليدية بل بناءً على التميز العلمي الفردي، مما يجعل المعهد أكثر مرونة في استقطاب المواهب.

APA/HELMUT FOHRINGER مؤسسة إيستا النمساوية

في معيار الأداء، يتفوق Ista على معظم الجامعات النمساوية، التي غالبًا ما تُصنف في مراكز متوسطة. على صعيد تمويل المشاريع، حصل المعهد حتى الآن على أكثر من 80 من منح “ERC” الأوروبية المرموقة، بنسبة قبول تقارب 50%، مقارنة بمتوسط أوروبي يبلغ 12%. كما أن ما يقرب من 40% من أساتذة المعهد جرى استقطابهم من جامعات أمريكية عريقة، في وقت تسعى فيه أوروبا إلى جذب الباحثين المتضررين من السياسات العلمية التي تنتهجها إدارة ترامب.

التمويل المستقر هو عامل حاسم في هذا النجاح؛ إذ يحظى المعهد باتفاق طويل الأمد مع الدولة والولاية يوفر تمويلًا بقيمة 3.3 مليار يورو حتى عام 2036، مع تحفيزات تعتمد على جذب تمويلات خارجية وتبرعات خاصة، كتلك التي وصلت من إرث سيدة أعمال نمساوية ودعمت تأسيس كرسي أكاديمي باسمها.

ورغم أن المعهد لا يمنح شهادات بكالوريوس أو ماجستير، إلا أنه بات حاضنة للنشر العلمي عالي المستوى، وشريكًا لمبادرات نقل التكنولوجيا والابتكار، خصوصًا عبر الحديقة العلمية Xista التي تضم أكثر من 20 شركة ناشئة اليوم.

لكن، هل سيقود هذا المعهد فعلًا إلى جائزة نوبل؟ لا يمكن الجزم بذلك. فالجوائز الكبرى تتطلب وقتًا طويلًا وتراكمًا بحثيًا متينًا ضمن مشهد علمي شديد التنافسية. والأهم، أن الأبحاث اليوم تتم غالبًا ضمن شبكات دولية معقدة، تجعل من الصعب نسب الإنجاز لدولة واحدة فقط.

ومع ذلك، فإن Ista لا يقل شأنًا عن مؤسسات كبرى مثل ETH زيورخ أو ستانفورد من حيث كثافة الإنتاج البحثي. وإذا ما استمرت هذه الديناميكية التصاعدية، فإن حلم جائزة نوبل في قلب النمسا السفلى لن يبدو مستبعدًا – بل ربما مسألة وقت، لا مجرد أمنية سياسية.

فيينا، النمسا بالعربي.