
بينما تتجه الحكومات الأوروبية نحو تعزيز قدراتها العسكرية عبر زيادة الإنفاق الدفاعي، فإن الاستعدادات لا تقتصر على شراء الأسلحة فقط، بل تشمل أيضًا خططًا موسعة للحماية المدنية، وتطوير المستشفيات، وتعزيز البنية التحتية لملاجئ الطوارئ، كما تسارع الدول الأوروبية إلى إعادة النظر في أنظمة التجنيد العسكري، حيث تبحث بعض الحكومات في إعادة فرض الخدمة الإلزامية، بينما تفكر أخرى، مثل النمسا، في تمديد فترة التجنيد الإجباري.
كانت معظم الدول الأوروبية قد ألغت الخدمة العسكرية الإلزامية منذ التسعينيات، باستثناء دول مثل السويد وإستونيا وفنلندا وقبرص واليونان وسويسرا. ومع تصاعد التهديدات الأمنية، لا سيما بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 والهجوم العسكري الواسع على أوكرانيا، بدأت بعض الدول بإعادة النظر في قراراتها السابقة. أوكرانيا كانت أول من أعاد فرض التجنيد، وتبعتها ليتوانيا، ثم السويد ولاتفيا، بينما وسّعت النرويج نطاق الخدمة الإلزامية لتشمل النساء. وفي بولندا، تعمل الحكومة على إنشاء قوات احتياطية عبر إخضاع جميع الرجال البالغين لتدريب عسكري موسع.
في النمسا، تدرس وزارة الدفاع إمكانية تمديد فترة الخدمة العسكرية الإلزامية من ستة إلى ثمانية أشهر، وهو الإجراء الذي كان مستبعدًا حتى وقت قريب. وكانت الخدمة العسكرية تستمر لثمانية أشهر حتى عام 2006، قبل أن يتم تقليصها إلى ستة أشهر. وفي إطار جهود التحديث العسكري، أطلقت وزيرة الدفاع النمساوية كلاوديا تانر خطة استثمار بقيمة 17 مليار يورو حتى عام 2032 لتعزيز قدرات الجيش، ومن المتوقع أن تزداد هذه الميزانية مع سعي الاتحاد الأوروبي لتسريع عمليات التسلح.
الميزانيات الدفاعية في جميع أنحاء القارة تشهد ارتفاعًا ملحوظًا، حيث تهدف عدة دول أوروبية إلى رفع إنفاقها العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة، بما يتماشى مع معايير الناتو. غير أن بعض الدول، مثل بولندا وإستونيا، رفعت سقف طموحاتها إلى 5% استجابةً لمقترحات الإدارة الأمريكية الحالية.
لكن الاستعدادات الدفاعية لا تقتصر على التجنيد والأسلحة فقط، إذ تعمل بعض الحكومات على تعزيز قدراتها اللوجستية لمواجهة سيناريوهات الأزمات. في هولندا، تقوم وزارة الاقتصاد بإعداد قائمة بالشركات التي يمكنها تحويل إنتاجها بسرعة إلى تصنيع المعدات الحربية في حالة الطوارئ، مع التركيز على تأمين الإمدادات الأساسية من المياه والطاقة والأدوية. كما يجري العمل على تعزيز “قدرة الصمود المجتمعي”، حيث يُسمح للشركات بإطلاق سراح الموظفين الذين يخدمون في الاحتياط العسكري لفترات محددة.

دول أخرى، مثل إستونيا وبولندا والنرويج والسويد وفنلندا وألمانيا، وضعت خططًا جديدة للحماية المدنية، تتراوح من نشر كتيبات توعوية حول كيفية تخزين المؤن في حالات الطوارئ، إلى إعادة تأهيل الملاجئ القديمة. في بلجيكا، يتم تدريب طلاب الطب في الجامعات الفلمنكية على التعامل مع الإصابات الحربية، بينما تطالب وزيرة الصحة في ولاية بافاريا الألمانية بتوسيع برامج الطوارئ في المستشفيات حتى تتمكن من علاج الإصابات العسكرية إلى جانب الرعاية الطبية العادية.
أما في النمسا، فرغم أن مبدأ “الدفاع الوطني الشامل” منصوص عليه دستوريًا، إلا أن تطبيقه يظل مقسّمًا بين وزارات الدفاع والتعليم والداخلية والاقتصاد. ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، لم يحدث تغيير كبير في نهج الحماية المدنية، باستثناء إدراج موضوع الدفاع الوطني ضمن المناهج التعليمية في المدارس، حيث يتم تدريس الطلاب أهمية الدفاع عن القيم الوطنية في أوقات الأزمات.
إدارة الحماية المدنية التابعة لوزارة الداخلية النمساوية تعمل على نشر قوائم تحذيرية توصي المواطنين بالتحضير لمختلف حالات الطوارئ، مثل الكوارث الطبيعية أو انقطاع التيار الكهربائي. لكن، وفقًا لتقديرات منظمات الدفاع المدني، فإن الملاجئ المتاحة حاليًا تكفي لحوالي 25% فقط من السكان، فيما لا تتجاوز نسبة الملاجئ الجاهزة للاستخدام الفوري 3%، ما يطرح تحديات كبيرة في حال حدوث أزمة واسعة النطاق.
النمسا بالعربي.