هل أنت شخص مغمور وتريد أن تكون مشهوراً ؟ تريد أن تكون كاتباً مُرشحاً لجائزة نوبل ؟ موجود في أوروبا وترغب بالنجومية السريعة ؟ قرأت كتاب السر ومؤمن أن النجاح يتحقق بدون مقدمات أدبيّة أو فكريّة ؟ مؤمن بأن الإرادة والرغبة فقط كافية لتحقيق حُلمك السهل ؟ قادر على حسم جميع المواقف الناقدة على أنّها عدائية ؟ أنت إذاً في المقال الصحيح , اتبع نصائحي بعناية ولا مانع بأن تتطرف بها قليلاً إذا تطلب الأمر !
النصيحة الأولى : قُل أنك ثائر , فالثائر شخص مُستحق للاحترام مهما اختلفت الآراء , عدا أنّ كلمة ثائر لها وقع مؤثّر استعلائي أمام القُرّاء الرُّعاع , ولا مانع من أن تربط ثورتك بالفكر , حتى وإن كانت المواضيع التي تتحدث عنها لا علاقة لها لا بالفكر ولا بالثورة , لا مانع أن تطلق الثورة الفكرية على مواضيع متعلقة بصور الطعام أو صورك الشخصية أو صورتك مع كاتب مغمور آخر .
النصيحة الثانية : ضخّم الأعمال والشخصيات , إذا قابلت أي شخصية مجهولة تعمل في المجال الأدبي والفني قُل أنّها عظيمة , لقائي مع أعظم المراسلين , صورتي مع أعظم الفنانين , مع كبير الرسامين , مع أستاذ الناقدين , وستعمل هذه الطريقة بشكل أكبر إذا كان الأشخاص نمساويي أو أوروبيي الجنسيّة , هذا سيضمن لك عدم معرفة القارئ العربي ما إذا كان الشخص الواقف إلى جانبك ممثلاً مشهوراً أم مغموراً , لا مانع أن تقول أنّهم أصدقاء لك أيضاً .. وعندما تُقرّر كتابة بحث ما , قُل أنّك تسعى لكتابة أعظم بحث في العالم , أكبر دراسة في تاريخ البشرية , ورُدَّ على الذين انتقدوا تضخيمك بأنّهم غيارى وعدائيين .
النصيحة الثالثة : لا تُدقّق إملائياً , لا داعي لتدقيق أعمالك إملائياً ” استراحة كاتب , أم استراحت كاتب ” , لا فرق بالمُطلق , ولا مانع من كتابة بعض الكلمات بالعاميّة عندما تخونك المفردات العربية , لا أحد سيقرأ صدّقني , هل تعلم كم ستخسر من الوقت في تدقيق روايتك الركيكة ؟ استغل الوقت بكتابة رواية أخرى , قم بإصدار رواية شهرياً على سبيل المثال بدلاً من تصحيح وتنقيح روايتك مرة ثانية وثالثة وعاشرة , ولا تنسى تشكيل الحروف , حتى وإن كان تشكيلك خاطئاً سيُعطي التشكيل بُعد أدبي وجمالي متفوّق .
النصيحة الرابعة : كِتاب السر , عليك بقراءة كتاب السر , وممارسة بروباغندا إعلامية شرسة على نفسك أولاً وعلى المجتمع ثانياً , أنت كاتب وناجح وتستحق التكريم , ستجد الكثير ممن سيصفق لك , وستقتنع بعد فترة أنّك بالفعل شخص مهم ومحوري وكاتب لاذع وثورجي , وقم بتكبير الوهم على الجمهور , كأن يكون لديك مدير إعلامي وهمي , ومسؤول تسويق وهمي , وأنّك تتعامل مع دار نشر عربية كبيرة !
النصيحة الخامسة : التكريم لكسب الولاء , تهتم النخب السياسية بإظهار اهتمامها بالأدب والعلم والفنون , وستقوم عدة شخصيات معروفة بتكريمك حقاً , رُغم أن الحقيقة التي دفعتهم لتكريمك لا أعمالك العظيمة , بل رغبتهم بأن يكونوا مُحاطين بشخصيات شبابيّة وفارغة بذات الوقت , لا يهتم السياسيون والنخبويون بتكريم وتعويم أصحاب الكفاءات والخبرات إلى السطح , ولا تنسَ بالتأكيد نشر صُور التّكريم , بهذا الشكل ستضمن شهادة حُسن سلوك وولاء السياسي الذي لن يتراجع بسهولة عن دعمه لك مهما أكثرت من اللّغو واللّافهم .
النصيحة السادسة : العرَب والغَرب , إنعت العرب بأقذر الصفات , قل أنّهم خونة على سبيل المثال , أنهم قمل رأس , أو حشرات نائمة على ظهرها , احمل أكثر الأسواط غلاظة واجلدهم بها وأكثر من العنصرية والتعميم , لا “قوانين منع” ضد العرب في أوروبا , ولن يجرؤ أحد على معارضتك بسبب الاعتقاد أنّ حريّة الرأي تعطيك مساحة لا محدودة للشتم والتنكيل , وأتبع كُل مسبّة للعرب بجُمَل برّاقة عن الغرب المُتحضّر الخالي من المشاكل والهموم , ضروري جداً أن تبرز افتتانك بالغرب في تداخل برّاق مع شتائمك للموروث العربي والإسلامي , بهذه الطريقة ستهرب من حقيقتك العربية إلى عالم غربي ينتظر على أحرَّ من الجمر شتمك لنفسك , وقم بترجمة أكثر رواية تشتم بها العرب إلى اللغة المحليّة للبلد الذي تقيم به .
النصيحة السابعة : لا تتهاون مع النّاقدين , إن سألك أحد الأشخاص عن علاقة الثورة الفكرية بصور الطّعام التي تنشرها , أجبه بعبارات عاميّة من قبيل : ” اسأل جارك ” , ” يعني ما بتعرف ” , ” بعدين بقلّك ” وقم بحظره من قائمة القُرّاء , ستضمن بذلك قائمة طويلة من المُتابعين المُطبّلين فقط , بدون اشكالات أقزام الفيسبوك أو ما يدعى بالـ ” Facebook Trolling ” الساعين للنيل من نُجوميتك المُستحيلة المساس .
النصيحة الثامنة : إبحث عن أعداء النجاح , من المهم أن تكون على عداء مع شخصية مشهورة حقاً , وعلى هذه الشخصية أن تكون مُتهمة بالنيل من نجاحك , ولا مانع إن كان بينكم دعوى قذف وتشهير , فالرّجال تُعرف عند العرب بخصومها , ومارس مظلوميّة النجاح , وأكثر من جملة ” أعداء النجاح ” , و ” سنمضي في الثورة الفكرية رُغماً عنهم ” , ولامانع مع شحن جمهورك الذي لم يقرأ لك أصلاً , جمهورك الذي لا تعرف لماذا هو جمهورك , لامانع من شحنه أمام مظلوميّة عِداء المُتميّزين , والأشجار المُثمرة التي تُضرب دائماً بالحجارة , عبارة الأشجار المثمرة مُبتذلة ولكنها مُستخدمة بكثرة , وتعمل دائماً وفي جميع الأحوال .
النصيحة التاسعة : انتسب لأكبر عدد ممكن من الجمعيات والهيئات , بمبلغ بسيط في مصر أو لبنان ستنضم لأربع أو خمس روابط عربية وأدبية دفعة واحدة , ولا تنسَ نصيحتي الثانية “التضخيم” , قُل أنّك انضممت لأكبر نادي عربي أدبي , أكبر رابطة كُتّابيّة عربية , وهكذا , وانشر بطاقات انتسابك للعامة , لا أحد سينتبه إلى رقم العضوية المتواضع الذي حصلت عليه , أو أن جميع البطاقات موقعة من نفس الشخص الذي يرأس كُل هذه الروابط والمنظمات .
النصيحة العاشرة : اهتم بالكّم بدلاً من النوع , العرب في أوروبا مشغولون بقضايا الاسلاموفوبيا والاندماج والعمل وليس لديهم أي وقت للقراءة , والعرب في بلادنا العربية مشغولون بلقمة العيش , المُفكّرون مشغولون بمدح الديكتاتوريات أو لعنها , لديك فرصة تاريخية لكتابة عدد هائل دون الرد على المُغرضين الذين يحاولون تشتيت الألف رواية التي ترغب بكتابتها , هذا إن رد عليك أحد أصلاً .
نصيحة جانبية : ركّز على الجندرة الجنسيّة وكُن فيمينست أكثر من نوال السعداوي , بدون تحليلات وفزلكات مساهمة الجندر والإثنية والمكانة الاجتماعية في مسارات التمكين .
هذه النصائح مستوحاة من خيالي الواسع الطّلق الرَّحب المعفّن , ومُستمدة من كتب ميكافيلية وسرية وتاريخية قديمة ومعاصرة , بدون التشهير والإساءة لأي ” كاتب ” لامع النجم سيدّعي أنّي أعنيه , إن كنت تريد أن تكون مشهوراً بأقل من سنة , اتبع نصائحي بعناية .
أخيراً , إن صادفت فيلم السيرة الذاتية , حركة غبية وبلا جدوى “A Futile and Stupid Gesture” , قُم بالهرب , الهرب ما استطعت كي لا تصاب بالإحباط , يحكي الفيلم عن قصة الكاتب الأمريكي دوغلاس كيني , الذي كتب رواية كوميدية هزليّة أمضى عليها عدة شهور , وعندما طلب من صديقه أن يقرأ مُسوّدة الرواية , فهِم دوغلاس أنها لم تُعجبه فرماها في سلّة المُهملات , كتب دوغلاس بعدها سيناريو فيلم كوميدي سيكون أكثر فيلم كوميدي شهرة بتاريخ السينما الأمريكية حتى ذلك الوقت , كان بإمكان الرواية التي رماها دوغلاس في سلة المهملات أن تكون على عرش الكُتب الهزليّة أيضاً , ولكن دوغلاس كان يبحث عن عمل مميز واحد , لا مئات من الأعمال التي لا قيمة لها .