كتب علاء الدين الخطيب – كاتب وباحث سوري
انتشر خلال اليومين الماضين مقطع فيديو لامرأة نمساوية مسنة، توجه اهانات لامرأة أخرى تحمل الكاميرا، والظاهر أنها مسلمة حسب الخبر. وهذا الفيديو نشرته الجرائد والمواقع النمساوية قبل العربية تحت عناوين تندد بالكلام العنصري الذي قالته المرأة النمساوية.
ما أريد نقاشه وابداء رأي متواضع به لأهلنا المهاجرين هنا، خاصة الشباب الصغير، هو التعامل بوعي كبير مع هذه الاحداث.
اولا، بكل المجتمعات يوجد أناس من مختلف المستويات الاخلاقية، ومستويات الانفعالية، ومستويات التعصب. كلنا نذكر أنه في بلادنا، يوم تحدث خناقة، فقد يتمادى احيانا احد الطرفين او كلاهما، ولا يترك “ستر مغطى على الاخر”؛ فان كان المتشاجران من عائلة او مدينة او دين او طائفة او بلد مختلف، فيحصل أحيانا ان أحدهما أو كلاهما يسب ويشتم الثاني ومن ينتسب لهم، (وهذا شهدته مرتين أيضا بين نمساويين من أقاليم مختلفة أحيانا). هذا كان يحصل بمجتمعاتنا ايضا وبنسب قليلة، لكنه موجود، ويوم يحصل الناس تتكلم به اكثر من خناقة عادية اخرى. طبعا ما قالته هذه السيدة عنصري لكن تعميمه خطا كبير
ثانيا، ردة الفعل على مثل هذه الاحداث حتى بالكلام، سواء مزحا او غضبا، يجب ان يكون متوازنا وعاقلا. فهناك بين المهاجرين من اصول عربية واسلامية من يقترفون الجرائم والخطايا هنا، وكلنا يعلم ذلك، فلسنا ممن يرون أنفسهم فوق البشر. لكن لان المهاجر ليس من اهل البلد فغلطته بألف، وهذه حال طبيعية في كل المجتمعات. فالكلام المنفلت غير الواعي، بحجة الغضب أو العصبية، خاصة الذي يعمم العنصرية على كل النمساويين أو الأوروبيين، وترداد خرافات عداء المسلمين والعرب، لن يفيد احدا بل سيضر بالكثيرين.
هذه الظاهرة، ظاهرة ردة الفعل الكلامية الظالمة بحجة الغضب، منتشرة بين العديدين، ويبرر من يقولها إنها مجرد كلام لا يحمل أو يهدف لاي فعل مخل أو خاطئ. لكن هذا غير صحيح، فتراكم الكثير من هذه الدعايات، والعنصرية المقابلة لعنصرية واجهها أحدنا، قد يحمل شابا ذو مشاكل نفسية ومهيأ لعمل عنيف أو غير قانوني، ليقوم بعمل يدفع الجميع ثمنه؛ فالكلام لا يضيع في الهواء، بل هو مسؤولية المتكلم.
لو كان النمساويون عنصريون، او حتى ثلاثة ارباعهم، لما استقبلت النمسا خلال السنين الثمانية الماضية 200 ألف طالب لجوء، بينهم اكثر من 50 ألف سوري، وأكثر من 20 ألف عراقي. أما أوهام انهم يريدون يد عاملة، فأحسب أن الجميع يرى صعوبة ايجاد عمل، عدا عن أن نسبة العاطلين عن العمل 7 بالمئة تقريبا، ولو أرادات النمسا أو ألمانيا لفتحوا باب الهجرة الانتقائية مثل كندا وأستراليا لزيادة عدد السكان؛ فلا يجوز بسبب حوادث متفرقة أن نظلم شعبا كاملا كان خير مضيف وعون للكثير من أهلنا.
ثالثا، لا يمكن إنكار وجود جماعات عنصرية نازية في النمسا وأوروبا، فتعصب فئة قليلة من الناس للأسف ملازم لكل مجتمع بشري. لكن هذه مشكلة اوروبية نمساوية قبل أن تكون مشكلة المهاجرين، فهذه الجماعات فجرت الحرب العالمية الثانية التي قتلت 40 مليون.
وهنا لا بد من توضيح أن من انتخب حزب الحرية FPÖ، وهو حزب يميني متطرف صعد بدعاية إعلامية شعبوية تعتمد على التخويف من الأجانب، ليس عنصريا بالضرورة، بل هو غاضب من اداء حكومات النمسا سابقا، وهذا حديث طويل بحاجة لكلام أكثر لشرح كيف صعد اليمين المتطرف في الغرب خلال السنين الأخيرة.
رابعا، هناك تيارات نمساوية سياسية وشعبية واسعة تعمل ليل نهار لمكافحة التطرف العنصري والديني. والتصرف الواعي للمهاجر، هو أن يدعم هذه الجهود بالكلام الصحيح المتوازن، وليس بإطلاق فشات الخلق، والكلام الفوضوي غير المسؤول، وتكرار شعارات اعلامنا العربي حول المؤامرات وكراهية الغرب لنا.
خامسا، حتى المستشار النمساوي سيبستيان كورتز، المتحالف مع حزب الحرية، والميّال لليمين المتشدد، لم يعد يستطيع تغطية تطرف هذا الحزب، واليوم أصدر بيانا، يٌعتبر وفق المعايير النمساوية السياسية بيانا شديدا وقاسيا ضد شريكه الاساسي في الحكم، بسبب ظهور ادلة على علاقة قيادات من حزب الحرية بجماعة عنصرية محظورة، Identitären، كان لها علاقة بسفاح نيوزيلندا، الإرهابي الذي هاجم المسجدين في كريستشرش.
تقع مسؤولية كبيرة على المهاجرين واللاجئين في المساهمة بمواجهة التطرف العنصري، والتطرف الديني والطائفي بين الطرفين، فالتطرف هنا لا يخص فقط النمساويين، فهناك بين المهاجرين من هو عنصري وطائفي أيضا، ويهمه الاستفادة من هذه الحوادث، من كلا الطرفين، فلو، لا سمح الله، صارت حوادث حمقاء أكثر من أي جهة، فالخاسر هو نحن المهاجرين، وعندها لا تنفع عنتريات باب الحارة، فبالعقل والصبر يمكن للمهاجرين أن يعيشوا أهلا وشعبا واحدا.
هذا هو بيان المستشار النمساوي
https://derstandard.at/2000100592911/Identitaere-Kurz-fordert-FPOe-zu-Trennung-allfaelliger-Verbindungen-zu-Identitaereauf?utm_term=Autofeed&utm_medium=Social&utm_source=Facebook&fbclid=IwAR1Y1Hj7H89dQo0QNCGvpXRcQnnDebp1OOP0R5pA7cwrICXGbwH_O7Z53yw#Echobox=155412282
عن علاء الدين الخطيب : كاتب وباحث سوري, بمجالات السياسة والمهاجرين والاسلام, مقيم في النمسا منذ 2004 , مهندس في تخطيط استراتيجيات نظم الطاقة.